"طبيب واحد لتشخيص كل الأمراض؟": أكثر ما صدم المهاجرين العرب مع النظام الصحي الأسترالي

Explaining About A Checkup

Australia Explained podcast: 'What's a GP?': Migrants share what shocked them most about Australia's health system. Source: Getty Images

احصل على تطبيق SBS Audio

طرق أخرى للاستماع

على الرغم من قوة نظام الرعاية الصحية العام وتنوع الخدمات الطبية في أستراليا، إلا أن التعامل معه قد يكون صعبًا في البداية بالنسبة للمهاجرين الجدد. هذه الحلقة مخصصة للتعرف على التحديات التي يواجهها المهاجرين العرب مع النظام الصحي، صلاحيات وخدمات "الطبيب العام" وأسباب الانتظار الطويل في غرف الطوارئ وعيادات الاخصائيين!


يمكنكم الاستماع إلى هذه الحلقة في الرابط الصوتي المرفق بالصورة أعلاه.

يعد نظام الرعاية الصحية الحكومي الأسترالي من أفضل الأنظمة في العالم ولذلك يبهر معظم المهاجرين العرب الجدد، وهو أول وأهم ما يشعرهم بطمأنينة على مستقبلهم الصحي في الوطن الجديد.

ورغم تطور النظام الصحي، وما يقدمه من خدمات متنوعة وآمنة وبأسعار معقولة او حتى مجانا، الا أن التعامل معه قد يكون صعبا في البداية على المهاجر الجديد.

يعد الأول من شباط فبراير من عام 1984، من أهم التواريخ الوطنية في أستراليا. وهو التاريخ الذي أسس فيه رئيس وزراء أستراليا العمالي السابق بوب هوك نظام الرعاية الصحية المعروف بالميديكير، ليكون مظلة الرعاية الصحية الأساسية لجميع الأستراليين.
Australia Explained
From left to right: Tuqa Almanasiri, Mohamed Elgohary, Ola Aly. Source: Tuqa Almanasiri, Mohamed Elgohary, Ola Aly.

الطبيب العام

يندرج تحت هذا النظام العديد من مقدمي الرعاية الصحية في أستراليا، وأهمهم الطبيب العام. والذي يعتبر دوره محوري في وصول المريض إلى الخدمات الصحية الأكثر تعقيداً. وبغض النظر عن نوع الألم أو المرض الذي قد تعاني منه، فلن تستطيع أن تصل لأخصائي أو رعاية طبية مختصة كما في البلاد العربية، إلا عن من خلال الطبيب العام.

تقول فاطمة شمس: "في بلدنا، لو شعرت بأن عيناي تؤلمانني فسأتصل بأخصائي طب العيون مباشرة".

وتعقب مالدا قارصلي: "ولكن هنا كل شكوانا الصحية يجب أن تذهب إلى الطبيب العام أولا".

ويقول محمد الجوهري: "أعتبر فكرة الطبيب العام فكرة غريبة. كيف أن يكون هناك طبيب واحد قادر على تشخيص كل الأمراض؟"

وعد هذه أحد أبرز الصدمات أو الاختلافات الرئيسية في طريقة الحصول على الرعاية الصحية في أستراليا، لأن معظم المهاجرين العرب جاؤوا من دول لا يعتبر فيها بدء رحلة العلاج مع الطبيب العام أمرا مألوفاً.
الطبيب العام أنطوان باريش يقول إن دوره قائم على ربط  الخدمات الصحية ببعضها البعض في البلاد.

"النظام الصحي الأسترالي واضح وينص بأنك كمريض ليس علاقة لك بتشخيص حالتك المرضية واختيار اختصاص الطبيب الذي تود رؤيته. الاخصائي مخصص لرؤية مريض قام بتحويله الطبيب العام".

ويضيف: "لا تحاول الحصول على موعد أخصائي دون المرور بالطبيب العام. ليس لأننا نريد اذلال المريض، ولكن هكذا هو النظام الصحي في البلاد ويجب علينا جميعا التقيد به".

وصفة الدواء

إذا، لو كانت حالتك الصحية لا تستدعي رؤية طبيب أخصائي، فسيقوم الطبيب العام من وجهة نظرة بتوفير الجهد والوقت والمال لك ولعائلتك.

وسيقدم أفضل النصائح والارشادات للتعامل مع ألمك أو مرضك. وفي كثير من الأوقات، من دون أن يصف لك دواء.

تقول مريم الياس: "تعودنا في العراق على أن يقوم الطبيب بوصف مجموعة من الادوية للعلاج. صدمت في أستراليا عن امتناع طبيبة من وصف أدوية أو خافض للحرارة لطفلتي".

وأضاف محمد: "وفي الغالب يصف الطبيب لنا شرب الماء فقط".

من أطرف القصص التي ستسمعها في أستراليا عن تعامل المهاجرين العرب مع الأدوية، ستكون حول التذمر من امتناع الطبيب عن التسرع في صرف المضادات الحيوية.

المضادات الحيوية التي تعتبر في البلاد العربية حلا لمعظم المشاكل الصحية، عدا عن سهولة شرائها هناك بدون استشارة أو وصفة طبية.

تقول جورجينا موريس: "صدمت من أن المضادات الحيوية في أستراليا تصرف فقط بوصفة من طبيب وبعد فحص معين ليعرف نوع المضاد الحيوي المناسب. بينما في بلادنا العربية نقوم بشرائه من الصيدلي، ونشتري بعض من الأدوية الأخرى لنقوم بعلاج أنفسنا".

ووافقت علا علي على هذا أيضا: "صحيح، نستطيع شراء أي دواء ما عدا الأدوية التي قد تؤدي إلى الإدمان".

ولسامح الجوادي ملاحظة أخرى: "الجرعات التي يصفها الطبيب هنا تبدأ من معيار 250 ملغ للبالغين فـ 500 ملغ ثم 1000 ملغ. في بلدنا يصف لنا الطبيب أعلاها فورا. لذا أدركت أن صرف المضادات الحيوية هنا يعد موضوعا شائكا للغاية ومعقد".
من اليمين إلى اليسار: السيدة دعاء الشيخ والسيد سامح الجوادي
من اليمين إلى اليسار: السيدة دعاء الشيخ والسيد سامح الجوادي Source: Duaa AlSheikh and Sameh Algawadi

الصيدلي

وهنا، يكون للصيدلي الأسترالي وقفة ليثقف المهاجرين أكثر عن طريقة شراء وتناول الدواء في أستراليا. ويقدم نصيحة واضحة وصريحة ليقوم المهاجر الجديد بمراجعة الطبيب العام الذي قام بتخطيه وتشخيص حالته المرضية والعلاج المناسب لها كما تعود في معظم الحالات في البلاد العربية.

الصيدلي أحمد اللبيدي مر بمواقف مشابهة كثيرة في مشواره المهني.

"قابلت الكثير من المهاجرين هنا الذين يدخلون إلى الصيدلية ويطلبون شراء أدوية بدون وصفات طبية. وعندما أوجههم، كانوا يقولون لي ‘كنا نشتري هذا الدواء باستمرار وغيره من الأدوية في صيدليات بلدنا’. وكنت أجاوب بأن هذا لا يمكن أن يحدث هنا أبدا".
"شراء الأدوية من دون وصفة طبية متاح للفيتامينات مثلا والأدوية المعروضة على الرفوف الخارجية فقط في أستراليا".

للصيدلي مكانة كبيرة في الشرق الأوسط. بالإجماع، اعتبر ضيوف الحلقة الصيدلي أقرب وصف لمفهوم الطبيب العام أو طبيب العائلة في معظم البلاد العربية، وبأنه المحطة الأولى في رحلة المريض للحصول على العلاج خصوصا لو لم يكن ميسور الحال.

تقول دعاء الشيخ عمر: "أخي صيدلي يعمل في الأردن. عندما أواجه أي عارض صحي، أتصل به لينصحني ويوجهني ويثقفني عن نوع الأدوية المتاحة للعلاج".

وتضيف مالدا: "هذا يعاكس الوضع في الصيدلية الأسترالية. بالإضافة الى فترة الانتظار الغريبة ليقوم بتجهيز الدواء. والتي قد تصل إلى نصف ساعة تقريبا".

الأطباء المختصون

وبالعودة للطبيب العام في سناريو آخر، يتضمن الحصول على رسالة تحويل لاستشارة أخصائي، فمن المرجح أن يواجه المهاجر الجديد صدمة من نوع آخر هنا. وهي فترات الانتظار الطويلة للحصول على موعد.

تكاليف استشارة الطبيب الاختصاصي باهظة أيضاً لأنها غير المدعومة بالكامل من الحكومة كما هو الحال مع تكاليف زيارة الطبيب العام.

تقول عزة ابراهيم: "هذه عملية مرهقة للغاية، أولا البحث عن أخصائي جيد ومن ثم الحصول على موعد قريب لزيارته. اذ قد تصل فترة الانتظار للحصول على موعد ثلاثة أشهر كاملة. عدا عن تكلفته الباهظة التي قد تصل إلى 500 دولار".

وتضيف ايمان نبيل: "في أستراليا نستطيع استرداد جزء بسيط من تكلفة استشارة الاخصائي الباهظة. ولكن، يجب أن يكون لنا حسابا الكترونيا متصلا بالنظام الصحي المديكير لتلقي هذا المبلغ".

"هذه عملية مربكة جدا. ولا يجب أن يفترض النظام بأن الجميع قادرين على الالمام بهذه الطريقة للحصول عليها. ولو استطعنا ذلك، فما زالت تشعر الكثير منا بالتوتر".

ولطول فترات الانتظار أسباب بالطبع. الدكتور باريش يقول إن أبرزها النقص في عدد الأخصائيين في أستراليا.

"قد تستغرق العملية ستة أشهر كاملة. لذا الطبيب العام يقدم المساعدة للمريض إلى أن يتاح الموعد ولتفادي تدهور الحالة".
Emergency department
Ambulance and medical staff attend to a patient on an unusually quiet saturday night at St. Vincent's Hospital Emergency Department, Sydney Source: AAP Image/Dean Lewins

أقسام الطوارئ

ولا تنتهي فترات الانتظار الطويلة عند مواعيد الأطباء في أستراليا.  فهناك ما يوازيها من عدد ساعات الانتظار في اليوم تقريبا عند زيارة أقسام الطوارئ في المستشفيات.

تقول فاطمة: "أحيانا يكون لدينا استعداد لقضا ساعة أو ساعتين في غرفة الطوارئ. ولكن لم أتوقع في حياتي أن أمضي تسع ساعات كاملة فيها".

ومن جهتها، قضت تقى الناصري مع ابنها عشر ساعات كاملة.

"التأخير ليس طبيعيا. خلال ساعات الانتظار بدأت حالة ابني تظهر تحسنا. لذا، قررت بعد أن أتممنا الساعة العاشرة أن أعود إلى المنزل دون أن يراه الطبيب".

"اتصل بي قسم الطوارئ ليسألوا عن مكاني فقلت لهم بأننا عدنا إلى المنزل وبأننا بخير".
للمهاجرين وغير المهاجرين، فترات الانتظار في أقسام الطوارئ تعد أزمة للكثير من الاستراليين.

يقول الدكتور باريش: "اختلفت طريقة عمل نظام الطوارئ في أستراليا في السنوات العشر الأخيرة. قامت حكومات الولايات التي تموله وتديره باتخاذ قرار صارم بأن هذه الخدمة فقط للحالات الطارئة التي قد تضع حياة المريض تحت الخطر".

"غير هذا، تعتبر الحكومة أن خدمات الطبيب العام وغيرها من الخدمات الصحية المتاحة بعد ساعات العمل في ضواحي الولايات كفيلة بالاعتناء بالحالات غير المهددة بالموت".
من اليمين إلى اليسار: السيدة صفاء سمعون والسيدة جورينا موريس ضيوف بودكاست أستراليا بالعربي الموسم الثاني
من اليمين إلى اليسار: السيدة صفاء سمعون والسيدة جورينا موريس ضيوف بودكاست أستراليا بالعربي الموسم الثاني Source: Safa Samoun and Georgina Maurice

رفاهية الصحة

النظام الصحي الأسترالي يختلف كثيرا عن أنظمة البلاد العربية. وسيحتاج المهاجر بعض من الوقت للتعود عليه. وأجمل ما فيه انه متاح للجميع. أي كانت ظروفك المادية. وأستراليا تفخر بأن هذا النظام هو سبب رئيسي لاستمتاع شعبها بواحد من أطول متوسطات العمر المتوقعة في العالم.

يقول محمد: "ليس هناك مستشفى للفقراء وأخرى للأغنياء. كلنا سنحصل على نفسة الخدمة وقدر الرعاية".

"يعجبني أن هناك معايير تطبق على الجميع للحصول على الخدمة. لذلك استطيع تفهم فترات الانتظار الطويلة، وبأن دوري سيأتي بناء على معايير موضوعة مسبقا وحالتي الصحية بالمقارنة مع الآخرين".

وتوفر أستراليا خدمات الرعاية النفسية لجميع الأستراليين. وخدماتها لا تعتبر ثانوية ولا يستهان بالأمراض النفسية فيها ولا ترتبط بوصمة عار اجتماعية كبيرة بالمقارنة مع ثقافة التعامل مع المريض النفسي في معظم البلاد العربية.

تقول صفاء سمعون: "في بلادنا يعيبون كل من يذهب لرؤية الطبيب النفسي، البعض يعتبرها من المحرمات أو يتهمنا بالجنون".
"عندما هاجرت إلى أستراليا ومررت بظروف صعبة، ونصحني طبيبي العام بزيارة مستشارة نفسية، أعجبت بالفكرة والخدمة".

"أتمنى أن نصل في البلاد العربية لفكرة تقبل العلاج النفسي كما في أستراليا".

وبالنسبة لسكان أستراليا الأصليين وسكان مضيق توريس، الصحة لا تعني الرفاهية الجسدية للفرد فقط، ولكنها تشير إلى الرفاهية الاجتماعية والعاطفية والثقافية للمجتمع بأسره.

السكان الأصليون ينظرون إلى الصحة من منظور الحياة بأكملها. لذا يجب أن تسعى خدمات الرعاية الصحية إلى تحقيق الحالة التي يكون فيها كل فرد قادر على تحقيق كامل إمكاناته كإنسان، ليحقق الرفاهية الكاملة لمجتمعه.

شكر خاص لضيوف الحلقة وللزميل فارس حسن.
أكملوا الحوار عبر حساباتنا على و و

توجهوا الآن إلى للاطلاع على آخر الأخبار الأسترالية والمواضيع التي تهمكم.  

يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر  أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على  


شارك