"نحن لا نقبّل الرجال": كيف يتعامل المهاجرون مع تناقضات الثقافة العربية والأسترالية؟

Husband and wife embracing on couch

'We Don't Kiss Men': How migrants deal with the contradictions of Arab and Australian culture - Australia Explained podcast. Source: Getty Images

احصل على تطبيق SBS Audio

طرق أخرى للاستماع

هل طُلب منك "إحضار طبق" إلى دعوة غداء أو عشاء؟ أو هل حاول رجل أو امرأة "تقبيلك"؟ تعرف على بعض التقاليد الاجتماعية الأسترالية التي يمكن أن تحير المهاجرين العرب وتذهل البعض الآخر وتدفعهم إلى إعادة النظر في طريقة حياتهم وتفكيرهم نحو حياة بعيدة عن الشكليات الاجتماعية المرهقة، في هذه الحلقة من أستراليا بالعربي.


يعد قرار الهجرة الى أستراليا مغامرة شيقة جدا لما تقدمه من تجارب غنية للمهاجرين الجدد. ومع هذا، فإن التكيف مع ثقافة بلد جديد وعادات شعبة وتقاليدهم قد يعرض المهاجر لصدمة ثقافية يستغرق تخطيها أيام، أشهر، وربما سنين.     

وكانت قد شهدت أستراليا في النصف الثاني من القرن العشرين تدفق عدد هائل من المهاجرين من شرق آسيا وأوروبا والشرق الأوسط ليضم المجتمع الأسترالي اليوم من أكثر من 210 جنسيات مختلفة.

تتميز أستراليا ببروتوكول إجتماعي فريد، يمنح الأولوية لرفاهية الشخص على حساب رفاهية ضيوفه ولا يميز بين غني وفقير ويحترم الخصوصية إلى حد كبير.

المهاجرة عزة إبراهيم لاحظت على الفور الفرق بين عاداتنا العربية الاجتماعية وتلك الأسترالية: "لدينا عادات مرهقة ومكلفة خصوصا للمواطن متوسط الحال ماديا بينما الأستراليون هنا بسطاء جدا ولا داعي لتكبد مصاريف عالية معهم"
أما إيمان نبيل فيبدو أنها تنفست الصعداء في أستراليا لأن المجاملات أقل: "أستراليا تقدم فرصة للمهاجرين لبدء حياة إجتماعية جديدة من نقطة الصفر، من دون أن تكون مبنية على المجاملات التي تستفذ طاقة الشخص النفسية والعملية".

ورغم بساطة الأستراليين الا ان بعض العادات الاجتماعية هنا تضع المهاجر العربي الجديد في مواقف محرجة لا تنسى وتبقى محفورة في ذاكرة الاستقرار في الوطن الجديد.

تماما كما حدث مع علا علي، التي وجدت نفسها في مواجهة اجتماعية طريفة مع عائلة أسترالية وجهت لها ولعائلتها دعوة على العشاء في بداية رحلة استقرارهم في مدينة سيدني.

"عندما وصلنا استقبلنا الزوجان على الباب. فاذا بالامرأة تهم إلى حضن زوجي وتقبيله من دون سابق انذار، في ذات الوقت الذي قام زوجها بالاقتراب لمعانقتي وتقبيلي على وجنتي".

"صعقت وابعدته عني وقلت له ‘لالالا... نحن لا نقبل ونحضن الرجال’. لم أكن وحدي في صدمة، بل كان هو أيضا محرجا جدا".
من اليمين إلى اليسار: السيدة علا علي والسيد ماري لبكي ضيوف بودكاست أستراليا بالعربي الموسم الثاني
من اليمين إلى اليسار: السيدة علا علي والسيد ماري لبكي ضيوف بودكاست أستراليا بالعربي الموسم الثاني Source: Ola Aly and Mary Labaky

"الزيارات والدعوات"

حتى الزيارات الاجتماعية التي كبرنا وترعرعنا على ممارستها ضمن أطر معينة في البلاد العربية، تختلف جذرياً في أستراليا وتحكمها مجموعة من القواعد التي لم نألفها ولكنها سرعان ما تصبح سمة من سمات حياتنا الاجتماعية وطريقة تفاعلنا مع محيطنا بعض بضعة أشهر على وصولنا. من أبرزها دعوات حفلا الشواء او ال Barbie

تقول جورجينا موريس: "في كثير من حفلات الشواء التي حضرناها، نجد طاولة عليها طبق لخبز البيرجر، طبق للطماطم والخس، طبق للحمة أو النقانق. وفي العادة يدعوك المضيف أن تقوم بتحضير الساندويش الخاص بك". وإذا دل هذا على شيء فهو يدل على بساطتهم في الضيافة".

ويضيف سامح الجوادي: "هم ليسوا مثلنا في الضيافة. نحن نقوم بتقديم عشرة أصناف بكميات رهيبة، قد تلقى في سلة المهملات بعد مغادرة الضيوف. أما بالنسبة للأستراليين، فهم يقومون بتحضير الطعام نسبة إلى عدد الضيوف. وهذا قد يعطينا انطباعا عنهم بأنهم حرصين على نفقاتهم بعض الشيء".

ودورك في هذه الدعوة لا يقتصر على أن تكون ضيفا فقط، لأن المضيف سيتوقع منك في أغلب الأوقات أن تجلب معك مشروبك المفضل أو طبق جانبياً وهذا ما يمنحك فرصة استعراض ثقافتك الأصلية من خلال الطعام.

يقول محمد الجوهري: "فعلا كان هذا أمر غريب علينا. تساءلت لماذا تقومون بدعوتنا للغداء وتطلبون منا أن نحضر معنا طعما وشرابا! فلو أردت أن أحضر شيئا، مثلا علبة من الشكولاتة، فسأحضرها، ولكن لم يسبق لي أن يجبرني أحدا على إحضار شيء معي عند قبولي دعوته في بلادنا".

أما ماري لبكي فكان لها تجربة مختلفة: "جارتي الأسترالية قامت بدعوتنا لحفل أقامته بمناسبة عيد الميلاد. فسألتها لو أرادت أن أحضر معي شيئا. فقالت لي اتصلت بزوجك وقلت له أن يحضر التبولة وانت بإمكانك أن تحضري مناديل للمرحاض!"
من اليمين إلى اليسار: السيدة صفاء سمعون والسيدة جورينا موريس ضيوف بودكاست أستراليا بالعربي الموسم الثاني
من اليمين إلى اليسار: السيدة صفاء سمعون والسيدة جورينا موريس ضيوف بودكاست أستراليا بالعربي الموسم الثاني Source: Safa Samoun and Georgina Maurice

"لا تغادر قبل أن تعرض المساعدة في التنظيف"

تقول عزة: "هناك ثقافة اجتماعية لطيفة في أستراليا أحبها جدا. إذا قام أحد بدعوتك الى منزله فيجب عليك أن تعرض خدماتك في تنظيف المكان قبل المغادرة. عكس بلادنا حيث تقوم بتحضير الطعام والضيافة قبل وصول الضيوف والتنظيف بعد مغادرتهم".

وعندما بحثنا في أصول البساطة في التعامل مع الزيارات في أستراليا، وجدنا أن أحد أسبابها أهو ترسيخ التواصل والتنشئة الاجتماعية، وليس للجلوس على الولائم كما في البلاد العربية.

تقول تهاني شمروخ: "في بلادنا نعتمد على المقولة الشهيرة "الجود من الموجود". وما زلت أحرص على أن أقدم المشروبات والأطعمة المتنوعة التي يحبها ضيوفي من أينما كانوا".

وتضيف مريم إلياس: "لا أستطيع أن أستضيف أحدا دون أحضر عشاءا وفواكهه وحلويات. وهذا يفاجئ ضيوفي الأستراليين ويبهرهم ويقولون لي هذا كثير جدا".

وتوافق ايمان على كلام تهاني ومريم: "الضيافة العربية جميلة جدا ويجب المحافظة عليها. وليس لدى البعض خيارا سوى الاستمرار بتقديمها لأنها من أحد الأمور التي ترسخت في تربيتنا وثقافتنا منذ الصغر ".

ومن جانبه يقدم سامح نصيحة: "تعلمنا عندما نزور منزلا أستراليا، بأن أهله سيسألونك مرة واحدة عند وصولك: ‘هل تحب أن تشرب شاي أو قهوة؟’ فلو وافقت على أحدهما سيحضر لك طلبك. وإذا قلت لا شكرا بانتظار أن يصّر أو يسألك مجددا، مثلما تعودنا في ثقافتنا، فهذا لن يحدث".
من اليمين إلى اليسار: السيدة دعاء الشيخ والسيد سامح الجوادي
من اليمين إلى اليسار: السيدة دعاء الشيخ والسيد سامح الجوادي Source: Duaa AlSheikh and Sameh Algawadi

"دفع الفواتير"

ولكن ماذا لو قررت أن تخرج إلى مقهى أو مطعم مع زميلك أو صديقك الأسترالي، فمن سيقوم بدفع الفاتورة؟

يعد الخلاف على دفع الفاتورة من أحد العادات الشائعة في البلاد العربية حيث من المألوف أن ترى الأشخاص يتعاركون ودياً لدفع الحساب ولكن القصة مختلفة تماماً بالنسبة إلى الأستراليين. حتى ان بعضهم قد يشعر بالحرج اذا باادرت بدفع الفاتورة.

يقول محمد: "عندما قررت أن أكون أول من يتوجه لدفع حساب الفاتورة كاملة، تفاجئ زميلي وسألني ‘هل أنت متأكد؟’ فقلت ‘نعم بالطبع’. فقال لي ‘شكرا’. فدفعت”.

“لم يكن هناك أي محاولة منه للجدال معي ويعرض عليّ أن يدفعها هو. وفي المقابل عندما توجه في مرة لدفع الحساب قبلي، فدفع عن نفسه فقط وتركني لأدفع نصيبي المتبقي منها".

وتضيف صفاء: "حاولت أن أقوم بتعويد رفيقاتي الأستراليات على مبدأ سأدفع أنا هذه المرة وادفعي أنت المرة القادمة. لم يوافقن. وكان السبب بأنهن قد لا يكن قادرات على دفعها كاملة في وقت لاحق".

"شعب لطيف"

بعيدا عن اختلاف العادات الاجتماعية بين الثقافتين العربية والأسترالية وما تجلبه من مواقف طريفة معها. أجمع ضيوف الحلقة أنه من أجمل وأكثر ما يميز رحلة الخروج من المنزل كل يوم، هو ابتسام معظم الأستراليين في وجهك من دون أي سابق معرفة.

تقول تهاني: "في بلدي الأم، إذا كنت أمشي على الطريق وابتسمت لشخص غريب سيقوم بسوء فهمي واعتقاد بأن هناك حاجة معينة وراء ابتسامتي، لتلحقها نظرات مريبة بعض الشيء".

وتضيف دعاء عمر: "كبرنا في مجتمع إذا ابتسمت فيه للغريب فلا بد وأن هناك سبب وراء الابتسامة وهذا معاكس تماما لثقافة الابتسامة في أستراليا".

وتقول سارة محمد: "أسلوبهم الترحيبي الودود يشعرني بأنني جزء من المكان وليس دخيلة عليه".
السيد محمد الجوهري ضيف بودكاست أستراليا بالعربي الموسم الثاني
السيد محمد الجوهري ضيف بودكاست أستراليا بالعربي الموسم الثاني Source: Mohamed Elgohary
ولكن هل تساءلت من أين جاءت هذه اللطافة التي تبهر كل مهاجر وزائر وسائح في أستراليا؟

خلال القرن الثامن عشر، شهدت بريطانيا ارتفاعًا في عدد الجرائم الصغيرة بسبب الثورة الصناعية. وأدت التطورات التكنولوجية إلى البطالة والصعوبات الاقتصادية، حيث لجأ الناس إلى السرقة من أجل البقاء على قيد الحياة.

فاكتظت السجون، ليقرر البريطانيون نقل المجرمين إلى مستعمراتهم. وتم إحضار 165000 مسجون إلى أستراليا بين عامي 1788 و1868، كان معظمهم من الفقراء والأميين.

لقد كانوا منبوذين وتقاسموا نفس المشقة، وبالتالي شكلوا روابط وثيقة، واضطروا إلى الاعتماد على بعضهم البعض من أجل الرفقة والبقاء. عندها خلق هذا إحساسًا بالتزاوج أو ما يعرف بالـ mateship - وهو مصطلح يستخدم لوصف الخبرات المشتركة والاحترام المتبادل.

كمدانين، تعرض الناس للتمييز من رجال السلطة ولم يتمكنوا من الحصول على وظائف لائقة. على الرغم من عدم امتلاكهم للمراكز أو التعليم أو الثروة، إلا أنهم أجمعوا على الإيمان بالمساواة.

ومع الوقت أدى ذلك إلى تكوين مجتمع قائم على المساواة، حيث يعتقد الأستراليون أن كل شخص يستحق حقوقًا وفرصًا متساوية، بغض النظر عن الخلفية الاجتماعية. وخلق هذا مجموعة من القيم التي حددت وشكلت أستراليا التي نراها اليوم.
السيدة إيمان نبيل ضيفة بودكاست أستراليا بالعربي الموسم الثاني.
السيدة إيمان نبيل ضيفة بودكاست أستراليا بالعربي الموسم الثاني. Source: Eman Nabil

"الأطفال في المرتبة الأولى"

ولكن للطافتهم وبشاشة وجهوهم حدودا، التي يمكن تخطيها إذا اقتربت من أطفالهم أو حيواناتهم الاليفة من دون استئذان.

يقول فارس حسن: "في بداية هجرتي إلى أستراليا، كنت أمشي ذات يوم على الطريق مع أحد أصدقائي. وكان أمامنا زوجان ومعهما طفل صغير يبلغ من العمر حوالي ثلاث سنوات. ابتسم لي فاقتربت وحملته وبدأت بملاعبته".

"في هذه الدقائق نظر لي الوالدان نظرة صدمة لن أنساها في حياتي".

ويضيف محمد: "تعلمنا قيمة الطفل في أستراليا عندما قررنا التطوع في مدرسة أطفالنا. حيث طلب منا استخراج طلب حكومي للتحقق من تاريخنا الخالي من الإساءة إلى الأطفال للتعامل معهم".

"فوجئنا بهذا. وعندما سألنا عن أسباب الحرص الزائد، ُفسر لنا أهمية الطفل وقوانين حمايته في أستراليا".

"وكان لي صديق يعلق على هذا دائما، ممازحا، ‘ان أهمية الأفراد في أستراليا تأتي في مراتب أولها الأطفال ثم النساء فالحيوانات وأخيرا الرجال’. وأنا مقتنع بكلامه".

وبما أننا نتحدث عن الأطفال، فمن أحد تقاليد تربيتهم في ثقافة السكان الأصليين لأستراليا هي تلك التي تعتمد على إعطاء الطفل كل الفرص لاكتشاف العالم من حوله. الفرص التي ستساعده على الشعور بالحرية لتطوير مهاراته اللازمة لشق مسار حياته حتى الوصول الى مرحلة الشباب.

وتعتبر مسؤولية تربية الأطفال لدى السكان الأصليين مسؤولية مشتركة تقع على عاتق جميع أفراد المجتمع.

شكر خاص لضيوف الحلقة وللزميلة إيمان ريمان والزميل فارس حسن.
أكملوا الحوار عبر حساباتنا على و و

توجهوا الآن إلى للاطلاع على آخر الأخبار الأسترالية والمواضيع التي تهمكم.  

يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر  أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على  


شارك