بعد 50 سنة من العيش في الإغتراب: "علمتني أستراليا الوفاء لها ولوطني الأم سوية"

George Dayoub

Source: George Dayoub

احصل على تطبيق SBS Audio

طرق أخرى للاستماع

من مشتى الحلو التي تبعد قرابة 50 كيلومترا من طرطوس في سوريا، الى هجرة صار عمرها 50 سنة في أستراليا، رحلة عطاء وثمار أدبية وإنسانية من فكر وقلب الأستاذ جورج ديوب الذي يقول "أنا شجرة، جذوري في سوريا وأغصاني في أستراليا والشجرة واحدة"


تقترب هجرة الأستاذ جورج ديوب من محطة اليوبيل الذهبي، بعد أن تنقل من محطة الى أخرى الوطن العربي ليجد مستقبلا وإستقرار في بلد الأحلام والأمان، كما يصفها البعض، أستراليا. 

وبالرغم من المسافات الشاسعة والبحار وطول سني الإغتراب لا زال الأستاذ ديوب، صبيا يركض فرحا في أزقة بلدة الإصطياف الجميلة مشتى الحلو والتي يفخر بثقافة أهلها وحبهم للمعرفة وسعيهم لتحصيل العلم والأدب ويقول عنها: "عمومها شباب مثقف وفاعل في المجتمع السوري سياسيا وثقافيا وفيها شخصيات بارزة جدا في المجتمع السوري والعربي لأ أحب أن أدخل في الأسماء ولكني أذكر إسم من كان قريبنا وجارنا  الدكتور منير موسى أول عالم إجتماع، ربما على صعيد الوطن العربي، تخرج من جامعة السوربون الفرنسية بدرجة ممتاز." 

ولا تغيب مشتى الحلو عن حاضره، فهي كما هي في قلب ووجدان الأستاذ ديّون، وكل شيء يخص البلدة وزهو الطفولة لا زال حيا في ذاكرته، ولعل هذه الحادثة التي قصها في لقاء مع أس بي أس عربي224، تختصر أغمار الحب والكيان، لأن حبة من تراب الوطن أغلى من اللآلىء الثمينة وفي الحنين الى أرض جذورنا تصحو غربتنا: "أرسلت عائلتي في رحلة الى سوريا عام 1979 وحين قربت عودتهم أوصيت زجتي بأن تأتيني بحجر صغير تلتقطه ممن الزاروب أي الشارع الصغير المتفرع الى بيتنا، ولكني فوجئت بأنها جلبت لي حجرا من مغارة الضويات وهي مغارة شبيهة بمغارة جعيتا في لبنان، كسرته ولم أرض به قالت لماذا فعلت ذلك، قلت لها لأني أريد حجرا من الأحجار التي سقيتها من دمي حين كنت أركض حافيا على أرض." 

خمسون سنة من الهجرة رافق خلالها السيد ديّوب الجالية العربية في أستراليا بكل محطاتها، وهو من كان من أوائل المستمعين الأوفياء للبرنامج العربي في أس بي أس منذ إنطلاقه ولا يزال مستمرا بمتابعة أس بي أس عربي24 بعد أكثر من أربعين سنة.

وأعرب الأستاذ ديّون عن إنتمائه الإنساني قائلا: "أنا إنساني وابن هذه الكرة الأرضية كلها أنا ابن هذا التراب وهذه الإنسانية، أنا مسيحي مسلم بوذي هندوسي، أنا أبيض أنا أسود أنا أشقر.."
أنا إنسان يعني بشر وهذه البشرية كلها مؤلفة من أخوة وأخوات
وفي العشرينيات من عمره، كان الأستاذ ديّون يبتغي التخصص في مجال العلوم السياسية، فقصد بيروت في هذا السبيل وانخرط في الجدامعة اللبنانية ولكن "الظروف المعيشية كانت صعبة علي فاضطريت السفر الى الجزائر ومنها عدت الى بلدتي في سوريا ومن ثم هاجرت الى أستراليا".

بعد تخرجه وانخراطه في المجال التعليمي، سافر الى الجزائر عام 1966 كمدرس في اللغة العربية، ثم عاد الى سوريا ولأسباب خارجة عن سيطرته رأى نفسه ينطلق بتأسيس مقهى جميلا فريدا من نوعه يقدم الحلوى والكايكة والمثلجات.
George Dayoub
Source: George Dayoub
وترك الأستاذ ديّوب البلدة التي أحب: "لدوافع أمنية وكما بدافع حبه للسفر تواصل مع أخته التي هاجرت قبله الى أستراليا، خوفا على شخصي لأني الشاب الوحيد لأهلي وكنت معرضا للإعتقال في كل لحظة". 

أما الإنطباع الأولي عن مدينة سيدني الهادئة، هو أن الأجواء فيها لا تشبه الحياة في الوطن العربي:"تفاجأت حين وصلت الى بيت أختي في منطقة كانتاربيري، سألتها مرارا وتكرارا، أين سيدني أذ بدا غريبا أنه ليس هناك الكثير من الناس والسيارات في الشوارع"
ما من أحد في الخارج لتقول له صباح الخير أو مساء الخير أو تفضل يا جار
أضاف الأستاذ ديّوب: "لم يكن حلمي يوما جمع المال، كنت أبتغي العمل لتحصيل لقمة العيش الكريم فقط وتقديم الدعم لمن أنا سندهم في هذه الدنيا".

وبدأت مسيرة الأستاذ ديّوب العملية في أستراليا في أحد المعامل، وتغير المسار بعد مراسلة إحدى الصحف الصادرة محليا بشأن مقال نشر على الصفحة الأخيرة، وهذا أدى أيضا الى التعارف مع من سيكون أبرز أصدقائه.

تفاجأت أيضا بطابع العمل في المعامل، تشتغل على خط الإنتاج كالرجل الآلي لا يمكنه أن يرف عينه
كانت هناك صحيفتان تصدران باللغة العربية صوت المغترب والتلغراف وكنت أشتري كلتيهما
وتحدث الأستاذ ديّوب بإسهاب عن الصداقة التي استمرت مدى الحياة والى رمق الأديب والصحافي الراحل بطرس عنداري الأخير، وأعرب عن حزنه العميق على فقدانه هذه الشخصية المميزة التي أعطت الكثير للجالية العربية في أستراليا قائلا: "أخذت وعدا على نفسي بأن بطرس عنداري لن يموت، يوم فقدناه حزنت جدا وبلغني الأسى والأسف على رحيله، قمنا بتأسيس المركز الثقافي الأسترالي العربي منتدى بطرس عنداري، ومن أهم نشاطاته الإحتفاء بيوم المرأة العالمي، الجائحة كما تعرفون ألقت بثقل ظلالها على نشاطاته كما على سائر المؤسسات ولكنه الآن على أهبة الإستعداد لإستئناف نشاطاته."

عنواني في الحياة العطاء، إنه مهمة الإنسان المبدع المتقن والمثمر لكل الناس الموجودين على الكرة الأرضية

ويؤمن الأستاذ ديّوب بسمو العطاء والتفاني في الخدمة وحس التعاضد الإنساني والنخوة وبأهمية أن نكون كلنا أخوة: "بقي لي بيتا مهجورا في سوريا، وطلب مني مجلس الرعية دعما ماليا (للمساهمة في بناء مدرسة)، فبعت بيتي في سوريا وتبرعت بثمنه كاملا لبناء المدرسة". 

وفي الختام قال السيد جورج ديّوب: "أعطتني أستراليا الحرية، حرية الرأي والتجمع وحرية الإعتقاد، حرية القول والنشر والى ما هنالك، تمنيت أن تنتقل هذه الخبرات الى الوطجن العربيـ، أستراليا أعطتنا الحقوق، وفيها نعيش الحقـ يمكنني أن أحل مشاكلي عبر الهاتف وهذه ظاهرة رائعة في هذه البلاد(..) خمسون سنة من العمر ليست قليلة لأعطيها لأستراليا ويا ليتني أستطيع أن أعطيها خمسين أخرى."


شارك