"ابني يظن أنني هجرته": قصص ثلاث أسر عربية فرقها إغلاق الحدود في أستراليا

Temporary visa holder Ahmed Beshr and his child.

Temporary visa holder Ahmed Beshr and his child. Source: Supplied

احصل على تطبيق SBS Audio

طرق أخرى للاستماع

قررت الحكومة إغلاق الحدود في 19 آذار مارس الماضي ولا يحق سوى لحملة الجنسية والإقامة الدائمة العودة إلى البلاد.


تمكنت أستراليا منذ بداية أزمة وباء كوفيد-19 من تجنب مسلسل الرعب الذي لا تزال دول كثيرة حول العالم تعيش حلقاته كل يوم وسط ارتفاع غير مسبوق في حالات الإصابة بالفيروس، حيث بلغت الحصيلة الإجمالية لإصابات فيروس كورونا عالمياً حتى وقت كتابة هذه السطور ما يقارب 12 مليون شخص، من بينهم أكثر من 540 ألف فارقوا الحياة جراء مضاعفات الإصابة.

نموذج "الجزيرة الآمنة" والحفاظ على نجاح التجربة الأسترالية في احتواء المرض تطلب إجراءات صارمة من أبرزها إغلاق الحدود بشكل كامل أمام الزوار مع منح استثناء لحملة الجنسيات والإقامات الدائمة العالقين في الخارج. من أبرز المتضررين من هذا القرار، حملة التأشيرات المؤقتة الذي تقطعت بهم السبل وباتت آلاف الأميال تفصلهم عن أحبائهم في الوطن الأم دون لقاء منظور في المستقبل القريب.

نستعرض في هذا المقال قصص ثلاثة مهاجرين مصريين وصلوا إلى أستراليا وفق تأشيرات عمل مؤقتة وحال إغلاق الحدود دون لم شملهم مع زوجاتهم وأطفالهم في مصر.
Grounded Qantas planes are seen at Sydney Airport in Sydney, Thursday, June 25, 2020. Qantas will cut at least 6,000 jobs across all parts of the business and continue to stand down 15000 employees as part of its plan to recover from the impact of the COV
طائرات تابعة لخطوط كوانتاس متوقفة في مطار سيدني Source: AAP

عاصم جاد

وصل عاصم (30 عاماً) إلى أستراليا بمفرده في شباط فبراير 2018 بعدما منحته دائرة الهجرة تأشيرة 489 وهي تأشيرة مؤقتة لأربع سنوات تسمح لصاحبها بالعمل والتقدم لاحقاً بطلب للإقامة الدائمة. وقال عاصم في حديث لأس بي أس عربي24 أن إجراءات التأشيرة ومتطلباتها تشبه تأشيرات الإقامة الدائمة من ناحية معادلة الشهادات والرسوم.

وبعد قدومه بستة أشهر، تمكنت زوجة عاصم وطفليه (يوسف 7 سنوات وأحمد 5 سنوات) من اللحاق به: "كنت مستقراً مع عائلتي الصغيرة لمدة ستة أشهر في بلدة كيمبي في كوينزلاند ( بعيدة 120 كم عن سن شاين كوست) وليس فيها أي تواجد للجالية العربية."

عاصم الذي يعمل كمهندس تحلية مياه، مضطر للاستقرار في منطقة ريفية لمدة عامين على أن يعمل خلالها هناك لمدة 12 شهراً لكي يتمكن من التقدم بطلب تأشيرة الإقامة الدائمة لاحقاً.

وخلال الفترة التي تواجد فيها أبناؤه معه، تسجلوا في المدرسة وكانت الأمور على ما يرام. بعد ستة أشهر، حصل عاصم على عقد عمل في منطقة نائية في ولاية غرب أستراليا، فارتأى أن تسافر زوجته برفقة الأطفال إلى مصر خلال العطلة المدرسية: "سافروا في 31 ديسمبر من العام الماضي. لم يكن هناك أي مؤشر على أن أستراليا ستغلق الحدود أو تمنع عودة أصحاب التأشيرات المؤقتة."
Asem Gad
Source: عاصم جاد وأسرته في أستراليا قبل أن يعلقوا في مصر
لم يكن أمام عاصم متسع من الوقت ليغير حجوزات الطيران بحيث يعود أفراد أسرته خلال مهلة الأربع وعشرين ساعة التي حددتها الحكومة قبل أن يدخل قرار إغلاق الحدود حيز التنفيذ.

وروى عاصم القصة لنا بنبرة شابها الكثير من الحزن وخيبة الأمل قائلاً: "منذ ذلك الوقت وأنا عالق هنا وزوجتي وأطفالي عالقين في مصر. عندما طالت المدة، بدأت أقلق على مستقبل الأولاد الأكاديمي فقررت تسجيلهم في مدرسة في مصر ولكن لم أتمكن من ذلك لأن المدارس تطلب أوراق مصدقة من الصعب الحصول عليها في هذه الظروف."

الشعور بالخذلان بدا واضحاً على عاصم الذي تساءل عن جدوى العناء الذي تكبده في سبيل الحصول على التأشيرة التي كان ينوي من خلالها الاستقرار في أستراليا، ليُعامل في النهاية – وفق تعبيره – كمن جاء إلى أستراليا بهدف "السياحة".

تقدم عاصم حتى الآن بخمسة طلبات لدائرة الهجرة أملاً في الحصول على استثناء يمكنه من الاجتماع مجدداً بزوجته وطفليه ولكن النتيجة عادت سلبية: "حصلت على رفض واحد ولم أتلق رداً على بقية الطلبات."

عاصم الذي قُلبت خططه رأساً على عقب، لا يرى فائدة من التقدم بطلب للإقامة الدائمة بمفرده، حيث كان قد أقدم على هذه الخطوة أملاً في تأمين مستقبل أفضل للعائلة مجتمعة: "قبل أن أغادر مصر، بعت أملاكي وجئت هنا على أساس أن أستراليا بلدي الثاني. لا مانع لدي من تحمل نفقات الحجر الصحي لعائلتي ولو كانت لشهر كامل."

أحمد بشر

وصل أحمد (31 عاماً) إلى مدينة نيوكاسل في نيو ساوث ويلز في تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي، بعدما حصل على تأشيرة عمل مؤقتة لأربع سنوات: "جئت لوحدي في البداية. قدمت طلب تأشيرة لزوجتي وولدي (4 سنوات و8 أشهر) ولكن للأسف لم أحصل على رد."

وعبر أحمد عن حالة القلق التي يعيشها وأبناؤه يكبرون بعيداً عن ناظره: "ابني الصغير مولود حديثا ولم يكن يتجاوز عمره شهراً واحداً قبل أن أغادر مصر."

وكان يسعى أحمد الذي يعمل كأخصائي علاج طبيعي في منشأة رعاية مسنين، إلى معادلة شهادته الجامعية ولكن ظروف الجائحة حالت دون ذلك خصوصاً في ضوء ما يحدث في ولاية فكتوريا من تدهور وبائي حيث كان من المفترض أن يتقدم إلى الاختبارات هناك.
Ahmad Bisher
أبناء أحمد بشر Source: Supplied
ابني يرفض أن يتكلم معي، يعتقد أنني تخليت عنه. دخل في حالة اكتئاب وهناك تقرير من الطبيب النفسي المشرف على حالته يؤكد ذلك.
تقدم أحمد بعدة طلبات إلى دائرة الهجرة آملاً بالسماح لزوجته وطفليه بالعودة إلى أستراليا ولكنه تلقى رداً مفاده أن وضعه لا تنطبق عليه الشروط المطلوبة: "كل مرة أتلقى نفس الرد. أتوقع أنه رد آلي. الموضوع غير عادل بالمرة."

محمد سعيد

وصل أخصائي العلاج الطبيعي محمد سعيد (32 عاماً) إلى أستراليا في أيلول سبتمبر 2017 وحط الرحال في بلدة ملدورا في فكتوريا حاله حال غيره من حملة تأشيرة العمل المؤقتة التي تستوجب الاقامة في الريف لفترة.

تزوج محمد في حزيران يونيو من العام 2018 في مصر، وعاد بعد قضاء شهر هناك إلى مدينة بريزبن عاصمة ولاية كوينزلاند بعدما حصل على وظيفة في شركة Medibank.

سافرت زوجته وطفلته حديثة الولادة إلى مصر في إجازة في تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي: "كنت أحضر لامتحان في ذلك الوقت على أن ألحق بهم بمجرد انتهائي من الفحص في أواخر شباط فبراير الماضي. كنت قد حجزت تذكر في آذار مارس الماضي ولكن الحدود كانت اقفلت."
أشعر بالعجز والظلم. الموضوع غير عادل.
لم يكن يتجاوز عمر طفلته 3 شهور ونصف عندما غادرت إلى مصر، وستطفئ شمعتها الأولى في الخامس والعشرين من تموز يوليو الجاري والأب يشعر بالعجز عن لم شمل عائلته الصغيرة: "ابنتي تكبر بعيداً عني. لم أرَ والدتي منذ عامين ولست قادراً على استعادة زوجتي وابنتي."

ولم يعد يقوَ محمد وزوجته على متابعة الأخبار التي ما برحت ترسم صورة قاتمة للمستقبل، وبعد التقدم بأربعة طلبات لدائرة الهجرة يصف أحمد زوجته بالـ "مدمرة نفسياً."

أحد أسباب شعور محمد بالظلم هو اضطلاعه بواجباته تجاه أستراليا لناحية احترام شروط التأشيرة ودفع الضرائب: "أدفع للتأمين الصحي الخاص ولا أستفيد من المديكير. أنا أدفع أكثر في النهاية تعرضت لهذه المعاملة بسبب تأشيرتي المؤقتة."
قدمنا كل الإثباتات والردود تقول أن الشروط لا تنطبق على حالتي. الشروط غير واضحة
أخيراً، دعا محمد أصحاب التأشيرات المؤقتة الذين يعانون من ظروف شبيهة، مواصلة التقدم بطلبات إلى دائرة الهجرة وعدم الاستسلام لليأس. ووجه الأب المشتاق رسالة لدائرة الهجرة: "انظروا للمسألة من ناحية إنسانية خصوصاً لمن استقر هنا. أسر متفرقة وآباء بعيدون عن أطفالهم لشهور طويلة. حاولوا أن تأخذوا ذلك بعين الاعتبار."

استمعوا إلى التقرير الصوتي المرفق بالصورة أعلاه. 


شارك