ثار من أجله اللبنانيون ويرفضه الأستراليون: لماذا سقط "الواتساب" أمام إغراء الرسائل النصية وثقافة "الجزيرة"

خرج الوزير مبتسماً كالعادة. جمال الجراح الذي تولى حقيبة الاتصالات كان يومها "فاقداً للاتصال" بما يغلي في صدور اللبنانيين. أعلن انطلاق الثورة دون أن يدري. الحكومة ستفرض "20 سنت" ضريبة يومية على المكالمات الصوتية عبر واتساب. قشة قصمت ظهر اللبنانيين فكانت 17 تشرين، الثورة الأكبر في تاريخ لبنان الحديث. انتفاضة عبرت الطوائف ولو لوهلة، وأنهت ما تبقى من مظاهر دولة. هذا في لبنان. فماذا عن أستراليا؟

Daily News Roundup.jpg

تشير إحصائيات 2021 إلى أن 8 ملايين أسترالي فقط من بين 25 مليون هم إجمالي عدد سكان البلاد، يستخدمون واتساب Credit: Getty

النقاط الرئيسية
  • رغم أن اللبنانيين قاموا بثورة من أجل 20 سنت يومياً لاستخدام الواتساب، لا تشهد أستراليا نفس الحماسة للتطبيق
  • تشير إحصائيات 2021 إلى أن 8 ملايين أسترالي فقط من بين 25 مليون هم إجمالي عدد سكان البلاد، يستخدمون واتساب
  • ثورة الاتصالات التي حوّلت العالم إلى قرية كونية، لم تستطع اختراق هذه الثقافة التي أصبحت جزءاً من الشخصية الأسترالية
لا يزال اللبنانيون في الوطن والمهجر يذكرون الليلة التي اندلعت فيها نيران الدواليب على وقع انتفاضة "الواتساب" في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019.

كان هذا التطبيق الأكثر شعبية في دول عديدة ومنها لبنان، نافذة التواصل الوحيدة المتبقية للبنانيين، فيما بينهم ومع العالم الخارجي.

الرسائل النصية كانت "مدفوعة" والمكالمات الهاتفية بين الأغلى في العالم. فكان الواتساب هروباً قليل الكلفة بخدمتيه: المراسلة والمكالمة الصوتية.
Lebanon Protests
أحد المتظاهرين في بيروت يلقي قنابل ضوئية على شرطة مكافحة الشغب خلال مظاهرة بالقرب من ساحة البرلمان، يوم الأحد 15 كانون الأول/ديسمبر 2019. Source: AP / Hussein Malla/AP
عن تلك "الثورة" يقول الخبير الاقتصادي عبدالله عبدالله، الخبير أيضاً بتقنيات الاتصال والتأثير السيكولوجي للاقتصاد على الشعوب: "كل ما حدث في 17 تشرين وما بعده كان نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية على مدى 15 عاماً انفجرت بعد قرار الحكومة فرض رسوم على الواتساب".

أضاف عبدالله: "في علم النفس الاقتصادي هناك مصطلح يسمى "النفور من الخسارة" أي أن الإنسان سيرفض دائماً دفع ثمن شيء كان متوفراً له دون مقابل. لذلك لم يتقبل اللبنانيون من الناحية النفسية دفع رسوم لخدمة اعتادوا على استخدامها مجاناً".

خدمة واتساب مجانية للجميع منذ انطلاق التطبيق في كانون الثاني/يناير 2009. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد مستخدميه يبلغ حالياً 2.23 مليار شخص حول العالم.

لكن وتيرة استخدامه تتفاوت من دولة لأخرى. وأستراليا أبرز مثال.
رغم أن اللبنانيين قاموا بثورة من أجل 20 سنت يومياً لاستخدام الواتساب، لا تشهد أستراليا نفس الحماسة للتطبيق
شعبية الواتساب بين الأستراليين محدودة جداً بالمقارنة مع مناطق وبلدان أخرى قريبة وبعيدة.

على موقع ، تشير إحصائيات 2021 إلى أن 8 ملايين أسترالي فقط من بين 25 مليون هم إجمالي عدد سكان البلاد، يستخدمون التطبيق.

"جيل الألفية في أستراليا هو أكثر المستخدمين للواتساب بمعدل 50%، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 10% لدى الجيل الأكبر سناً"، يقول عبدالله.

"أما صغار السن من الشباب فلهم منصاتهم الخاصة للمحادثة مثل سناب شات أو إنستغرام".

في المقابل، يحتل واتساب في الولايات المتحدة المرتبة الأولى بين تطبيقات المراسلة الأكثر شعبية، ويستخدمه 75 مليون أميركي.
ويرتفع هذا الرقم إلى أكثر من نصف مليار إذا تم احتساب إجمالي مستخدمي التطبيق في الولايات المتحدة والهند والبرازيل.

يرى عبدالله أن عدة عوامل تفسر سلوك الأستراليين "الفريد" فيما يتعلق بوسائل الاتصال، سواء التقليدية منها أو المرتبطة بالسوشيال ميديا.

"قد تجد الكثيرين حتى من جيل الألفية ممن لا يستخدمون الواتساب. في أستراليا خدمة الرسائل النصية مجانية لذلك يفضلها الأستراليون على تطبيقات مثل واتساب بسبب مخاوفهم من خرق الخصوصية التي يحرص عليها المجتمع الأسترالي".

لكن هل الخصوصية وجاذبية الرسائل النصية "المجانية" هي السبب الوحيد الذي يفسر هذه الظاهرة؟

القارة الجزيرة

أستراليا التي تجلس وحيدة في نصف الكرة الجنوبي، على مسافة حوالي 15,000 كيلومتراً من الولايات المتحدة وأوروبا، تجد نفسها أغلب الأحيان غير معنية باتباع التوجهات والتقنيات التي يصنعها ويسوّقها ويستهلكها الغرب.

"البُعد الجغرافي لأستراليا عن بقية العالم جعل من مجتمعها أكثر محافظة، فأصبح الأستراليون بشكل عام من المستخدمين "المتأخرين" للتكنولوجيا"، يقول عبدالله.
ثقافة أستراليا مشابهة إلى حد بعيد لثقافة سكان الجزر المحيطة بها
هذا يفسر ربما الطبيعة "المسترخية" للفرد الأسترالي الذي لا يلهث وراء ابتكارات قد يجدها سكان نيويورك ودبي أو غيرهما من مدن العالم الرئيسية من أساسيات الحياة.

"ينعكس ذلك بشكل كبير على السلوكيات الاستهلاكية للأستراليين. فارق التوقيت أيضاً له دور. فالعديد من الأحداث الكبرى حول العالم مثل كأس العالم في كرة القدم لا تلقى نفس الحماسة في أستراليا لهذا السبب تحديداً".

ثورة الاتصالات التي حوّلت العالم إلى قرية كونية، لم تستطع اختراق هذه الثقافة التي أصبحت جزءاً من الشخصية الأسترالية.

"الأسترالي يقول بثقة إنه يستطيع العيش بمفرده وهذا ما ظهر في تعامل أستراليا مع جائحة كوفيد-19 عندما كانت أول دولة تغلق حدودها أمام العالم الخارجي".

هذه الحقيقة لها أوجه مشابهة في الحياة اليومية للأستراليين.

"مقاهي ستاربكس موجودة بكثرة في كل أنحاء العالم إلا في أستراليا التي ظل حضور عملاق القهوة الأميركي محدوداً فيها".
الأستراليون يحبون قهوتهم "الأسترالية" ويعتبرون أن لهم ثقافتهم ونمط حياتهم الفريد ولا يشعرون بالحاجة لاتباع الآخرين

التنوع في الوحدة

لكن أستراليا المتعددة ثقافياً ودينياً وعرقياً لا يمكن اختصارها بمظلة ثقافية واحدة تصهر الجميع.

واتساب الذي اجتاح العالم أصبح جزءاً من حياة أفواج من المهاجرين قدموا إلى أستراليا حديثاً وجلبوا معهم عاداتهم وتقاليدهم و"حساباتهم" على تطبيق واتساب.

"ما يصح على الثقافة الأسترالية بشكل عام قد تجد له استثناءً لدى الجالية العربية التي اعتاد أفرادها استخدام واتساب في بلدانهم الأصلية فحافظوا على هذا السلوك في وطنهم الجديد كوسيلة تواصل أساسية فيما بينهم داخل أستراليا ومع أقاربهم خارجها".
خاصية الاتصال عبر الفيديو والخدمة شبه المجانية تجعل من واتساب أكثر جاذبية لدى الجالية العربية
الخصوصية التي يحرص عليها الشعب الأسترالي، يرى عبدالله أنها ليست من الحاجات الملحة للإنسان العربي الذي اعتاد بحكم ثقافته وأنظمة الحكم في بلاده على التغاضي عن خرق الخصوصية لأسباب عديدة.

بثورة أو بدونها، الجالية العربية في أستراليا لا تزال تغرد في سربها الخاص الذي يجد له أسراباً شبيهة في الوطن العربي، من أقصى المغرب إلى سواحل المتوسط.

وحتى إشعار آخر، واتساب سيظل خيارها الأول للقاء الأحبة صوتاً وصورة ومراسلة.
أكملوا الحوار عبر حساباتنا على وو

توجهوا الآن إلى للاطلاع على آخر الأخبار الأسترالية والمواضيع التي تهمكم.

يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على 

يمكنكم أيضًا مشاهدة أخبار في أي وقت على SBS On Demand.

شارك
نشر في: 17/01/2023 2:34pm
آخر تحديث: 20/01/2023 3:09pm
By Nassif Khoury
المصدر: SBS