Analysis

هل يعتبر برنامج التلقيح الوطني أسوأ فشل للسياسة العامة الأسترالية في التاريخ الحديث؟

على مدار الأسابيع الماضية، أشارت تقاريرٌ إعلامية إلى هفواتٍ كثيرة في برنامج اللقاحات الوطني الذي وضعته حكومة الائتلاف الفدرالية. إذ فشلت الحكومة في تأمين العدد الكافي من اللقاحات بالإضافة إلى الاعتماد المفرط على لقاح أسترازينيكا فقط، كما تبين لاحقاً من خلال شح الجرعات المتاحة من لقاح فايزر.

Prime Minister Scott Morrison holds a vial of AstraZeneca vaccine during a visit to the CSL serum lab to inspect COVID-19 Immunoglobulin being produced in Parkville, Melbourne, Friday February 12, 2021.

Prime Minister Scott Morrison holds a vial of the AstraZeneca vaccine during a visit to CSL's lab in Melbourne in February this year. Source: AAP



لم تظهر الأعداد اليومية للمصابين بفيروس كورونا في نيو ساوث ويلز أي علامات تباطؤ في الأيام الماضية وفيكتوريا دخلت في أوامر الإغلاق الخامسة للولاية، مما يعني أن فكرة العودة إلى وضعٍ "طبيعي" أصبحت صعبة المنال.

وعلى مدار الأسابيع الماضية، أشارت تقاريرٌ إعلامية إلى هفواتٍ كثيرة في برنامج اللقاحات الوطني الذي وضعته حكومة الائتلاف الفدرالية. إذ فشلت الحكومة في تأمين العدد الكافي من اللقاحات بالإضافة إلى الاعتماد المفرط على لقاح أسترازينيكا فقط، كما تبين لاحقاً من خلال شح الجرعات المتاحة من لقاح فايزر.
وبينما تواصل رؤساء حكومات دول أخرى مع إدارة شركة فايزر من أجل تأمين اللقاحات لشعوبهم، لعب رئيس الوزراء سكوت موريسون ووزير الصحة الفدرالي غريغ هانت دوراً سلبياً غير مفهوماً.

ومن ثم شهدنا مرحلة "إنه ليس سباقاً" في برنامج توزيع اللقاحات، وخصوصاً في المراحل المتعلقة بالفئات المستضعفة والأكثر عرضةً لخطر الفيروس، كالمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة وعاملي الصفوف الأمامية.

تلقى 13٪ من الأستراليين البالغين فقط جرعتي اللقاح كاملتين، وتلقى 35٪ جرعة واحدة فقط حتى الآن. مما هو أبعد ما يكون عن الهدف الذي وضعته الحكومة بتلقيح جميع سكان أستراليا البالغين قبل تشرين الأول/أكتوبر 2021.
وما أزاد الطين بله، قلة الموارد التعليمية والتثقيفية حول اللقاح وكيفية عمله، مما أعطى مساحةً لمناهضي اللقاحات والمترددين لينشروا فيها أفكارهم.

عواقب برنامج اللقاحات الفوضوي

أشارت استطلاعات الرأي إلى أن ثقة العامة في برنامج اللقاحات منخفضة للغاية، حيث ارتفعت نسبة الغير راضين عن آداء برنامج اللقاحات الوطني إلى 57٪ في آخر استطلاعٍ لرأي من Newspoll.

أدت أخطاء سياسة اللقاح -التي وضعت أستراليا في أسوأ تصنيف للدول المتقدمة من حيث نسبة الشعب الملقحة- إلى انتقاداتٍ واسعة. وجاءت بعض الانتقادات من أصواتٍ عادةً ما تكون موالية للحزب الحاكم، كالمعلقتين اليمينيتين جانيت ألبيرختسن وميراندا ديفاين.
ومن جانبه قال رئيس الوزراء السابق مالكولم تيرنبول الذي ترأس الائتلاف الحكومي قبل انتزاع سكوت موريسون السلطة منه، إن ليس بإمكانه تذكر "فشلاً أكثر وضوحاً في الإدارة العامة للبلاد".

ووصف المؤرخ فرانك بونجيورنو برنامج اللقاح بأنه "أسوأ سياسة عامة شهدها التاريخ الأسترالي الحديث".

كيف يقاس الفشل في السياسات العامة؟

لا شك أن الحكومة الفدرالية فشلت بمقياس الأهداف التي وضعتها وأعادت وضعها عدة مرات بعد استحالة تحقيقها.
Health Minister Greg Hunt, Medical Association President Dr Omar Khorshid and Prime Minister Scott Morrison during a press conference in Canberra, 27 May, 2021.
Health Minister Greg Hunt, Medical Association President Dr Omar Khorshid and Prime Minister Scott Morrison during a press conference in Canberra, 27 May, 2021. Source: AAP
ولكن هل بإمكاننا القول إننا بصدد فشل سياسة عامة لم تشهده أستراليا من قبل؟ خصوصاً في الوقت الذي ظهر فيه آداء الحكومة ضعيفاً في ملفات سياسة عامة أخرى، كملف تغير المناخ؟

توجد 3 عوامل لقياس نجاح أو فشل السياسات العامة. أولها هو تقييم مدى نجاح السياسة في حل المشكلة التي تهدف إلى إصلاحها.

ويكون من الصعب أحياناً ربط السياسة بالنتيجة النهائية للقرارات التابعة لها، فعلى سبيل المثال أدت سياسة الإئتلاف العامة لوقف دعم الصناعات الأسترالية، إلى ضعف القدرة على إنتاج لقاح كوفيد-19محلياً.
أما العامل الثاني لتقييم نجاح أو فشل السياسة العامة، هو أهمية السياسة في السياق الأكبر للأمور. إذا فشل برنامجٌ حكوميٌ صغير أو فرعي فعواقبه لن تكون وخيمة. أما آثار نجاح أو فشل سياسة تتعلق ببرنامج اللقاحات، لها آثار كبيرة على الاقتصاد والقطاع الصحي والمجتمع ككل.

وثالثاً وأخيراً يجدر الأخذ بعين الاعتبار أثر الرأي العام في السياسة العامة وعواقب ذلك على فرص الحزب في الانتخابات القادمة.

إذا قيمنا سياسة اللقاحات الأسترالية بناءً على هذه المعايير لوجدناها سيئة بجميع المقاييس.
Long queues of cars are seen at a pop up Covid testing clinic at the Fairfield Showgrounds in Sydney (AAP)
Long queues of cars are seen at a pop up COVID testing clinic at the Fairfield Showgrounds in Sydney. Source: AAP
ولكن لا تكمن المشكلة في الخطة نفسها، فلا مانع من محاولة الوصول لمستوى من التلقيح يسمح بالتعايش مع الفيروس، ولكن يكمن الفشل في سوء التخطيط والإدارة والتنفيذ، الذين أدوا إلى الفشل في مواجهة الأزمة الحالية. 

حيث تبين من المقارنات الدولية أن خطر الفيروس دائم وخصوصاً مع تحور الفيروس إلى سلالاتٍ مختلفة أكثر نجاحاً في التأثير على عدد أكبر من الناس وأسرع انتشاراً أيضاً.

سياسات عامة أسواء

ولكن ربما لا تعتبر سياسة اللقاحات التي اتبعتها حكومة موريسون الأسواء بعد في التاريخ الأسترالي. فربما تسبقها سياسة حكومة راد وغيلارد لضرائب أرباح الموارد والمواد الخام.

حيث فشلت تلك السياسة على عدة أصعدة، أولها، أنها لم تأت بالعوائد المادية المتوقعة على الإطلاق. كما أنها أثرت سلباً على فرص نجاح حزب العمال في الانتخابات، وأدت إلى رد فعل قوي من قطاع التعدين.
ومن أكثر السياسات فشلاً في تاريخ أستراليا الحديث أيضاً، هي سياسة حكومة هاورد لقطاع رعاية المسنين في العام 1997. وهي السياسة التي وضعت أسس وقوانين نظام رعاية المسنين في أستراليا.

وتبين بعد سنوات أن خصخصة قطاع رعاية المسنين أدت إلى قلة الدعم الموفر للقطاع وفشل النظام بشكلٍ منتظم، حتى استدعى الأمر تشكيل لجنة تحقيق ملكية في قطاع رعاية المسنين.

ولا يمكن التغاضي عن فشل السياسة الأسترالية في مواجهة مشكلة تغير المناخ والذي يعتبر أكبر فشل في تاريخ السياسة الأسترالية الحديثة، حيث تصنف أستراليا الأخيرة في صفوف الدول المتقدمة.

كارولين هولبروك باحثة أسترالية في مجلس أبحاث DECRA التابع لجامعة ديكن. وتتلقى الدعم المادي من مجلس الأبحاث الأسترالي.

جيمس والتر أستاذ بمادة العلوم السياسية في جامعة موناش وبول سترانجيو أستاذ بمادة العلوم السياسية في جامعة موناش. لا يعملون ولا يستشاروا ولا يملكون أسهم أو يتلقوا دعم من أي شركة أو منظمة قد تستفيد من هذا المقال ولم يعلنوا عن أي ميول غير وظائفهم الأكاديمية.


شارك
نشر في: 22/07/2021 4:46pm
آخر تحديث: 12/08/2022 3:06pm
By Paul Strangio, James Walter, Carolyn Holbrook
تقديم: Nabil Al Nashar
المصدر: The Conversation